أصبحت كثرة الاستهلاك في وقتنا الحاضر ظاهرة؛ نتيجة انفتاح الأسواق على مصراعيها أمام السلع والبضائع المحلية والمستوردة، والتي ساهمت في ازدياد ممارسات بعض من المستهلكين للاستهلاك التفاخري الناشئ عن دوافع عاطفية، تجعل الفرد يقبل على شراء سلع أو خدمات دون تفكير منطقي؛ من أجل تحديد مكانته على الخريطة الاجتماعية، والظهور بالترف الاجتماعي. ويرى بعض الناس أنه لا يوجد مشكلة في الاستهلاك التفاخري ما دام المستهلك قادرًا على دفع الثمن. وبعيدًا عن الدعوة إلى الزهد والتقشُّف أرى أن الاستهلاك التفاخري خطر ومعضلة؛ لما له من آثار على الموارد المالية والدخل وعلى سلوك الفرد؛ فقد يتطور سلوكه ويصبح نمطًا يؤرق المجتمع بانعكاساته السلبية نفسيًا واجتماعيًا.
ويُشكّل الاستهلاك التفاخري مشكلة رئيسة؛ لأنه يتحول إلى هدف منشود لدى المستهلك؛ بسبب سيادة الروح المتباهية والمظهرية التي تحرّض صاحبها على استنزاف الموارد المالية، وزيادة الإسراف البذخي الذي ينتج عنه فقد الإحساس بقيمة المال، إضافة إلى ذلك فهو يحدّ بشكل كبير من فرص الادخار، وقد يتحول إلى سلوك قهري يتجدد؛ لأن المبدأ موجود، مما يؤدي إلى الاستدانة والاقتراض الذي يجره إلى مشكلات من نوع آخر.
لكن الأمر الخطير والكارثي هو أن الاستهلاك التفاخري ينذر بأخطار نفسية واجتماعية جسمية، فالمستهلك المتفاخر أصبح لا يرى قيمته بما لديه من شخصية وحضور وفكر وإرادة وعلم وخبرة وأهداف يعيش من أجلها ودوراً سامياً في الحياة، بل أصبح يستمد قيمته، ويربط تقديره ومكانته ومركزه الاجتماعي بما يقتنيه، وبزيادة إنفاقه الاستهلاكي، ومدى قدرته على التغيير المستمر وتقليد الآخرين، ولم تقتصر هذه النزعة على ذلك، إنما تتعدى إلى تسليع المستهلك لنفسه، وجعلها مادة تخضع للمقارنة والتقييم.
لذى ينبغي أن يفكِّر المستهلك تفكيرًا بعيد المدى بعقلانية، هل اللهث خلف المظهرية والمباهاة والتفاخر وتقليد الآخرين يستحق أن يخسر قيمته الحقيقية لذاته واستنزافه لموارد دخله المالية؟! برأيي أن لكل معضلة حلًّا، حتى لو واجه الفرد عقبة كبيرة في التخلص من هذه النزعة الاستهلاكية ومن آثارها السلبية، فمن الممكن جداً التغلب عليها من خلال نماذج العلاج المعرفي والسلوكي التي أثبتت جدواها الأبحاثُ الرصينة.