في عصر التغيير المستمر، الثورة المعرفية والتقدم في مجال العلم، التكنولوجيا ووسائل الاتصال التي جعلت من العالم قرية صغيرة وساهمت في خلق تغيير ضخم في أنماط وسلوكيات الناس، ورفعت من مستوى معرفتهم وأسلوب تفكيرهم. كان من المؤكد أن هذا التغيير سيبعث في الفرد حب المعرفة لكل ما هو جديد سواء كان موافقاً لما يراه صواباً أو مخالفاً لذلك وأيضاً سيمنحه الشغف نحو تجربة الانفتاح الفكري وازدياد الوعي الذي سيضمن له حريته دون التعدي على حريات الغير ويفتح له مناحي جديدة في الحياة. إلا أن بعض الأفراد مصابين بالجمود الفكري وذلك لاعتقادهم المطلق بنظرية المؤامرة مما جعلهم يعزون كل فكرة تجديد وتغيير إلى مؤامرة تحاك ضدهم، وأن الوضع الذي يعيشونه من تشبث بآرائهم وانغلاق وتعصب لأفكارهم والتعسف ضد محاولة تغيرها أو التشكيك بها معتقدين أنهم وحدهم على حق ومن سواهم على ضلال وباطل لاعبين على وتر الحذر رافضين بشدة ومقت بشكل قاطع لمن يخالفهم مجسدين مقولة” من لم يكن معنا فهو ضدّنا” واعتقادهم الخاطئ بأنهم النموذج الأفضل والآمن من وجه نظرهم بسبب قحط فكرهم وجموده.
هذه المشكلة الفكرية لا يخلو منها مجتمع بصرف النظر عن مستواهم التعليمي فالجمود الفكري لا يأتي تبعاً للجهل بل أن الداهية أنه قد يكون لدى صاحب شهادات عليا وقد يكون لدى من لم يكمل تعليمه على حد سواء. وقد ذكرت الدراسات النفسية بعض الآثار السلبية الناتجة عن تفكير صاحب الجمود الفكري على شخصه وعلى الآخرين.
فمأساة الفرد من جماعات الجمود الفكري تكمن في مروره بالكثير من المشكلات والأزمات والضغوط نفسية التي تشكل عائقاً أمام تقدمه، هذه العوائق هي نتيجة حتمية لعدم تقبله لأي رأي أو فكرة ومقاومته أي محاولة للتعرف على العلوم الحديثة ولذلك يتفاقم جهله، مما يجعله متهوراً في اتخاذ قراراته المصيرية وعاجزاً عن التعامل مع الآخرين، أو مع المواقف التي تواجهه بوعي وعمق ضارباً العلاقة الإنسانية في مقتل.
إن من أصعب التحديات في الحياة هي التعامل مع صاحب هذا الاتجاه الفكري وخاصة حينما يكون ذا سلطة على من تجمعه بهم مصالح مشتركة، فبدون أدنى شك سيشكل حجر عثرة أمام نجاح من يتعامل معهم ويهدد أمنهم واستقرارهم في مختلف مجالات حياتهم العملية أو العلمية، حينها تنحصر الحلول أمام من يتعامل معه بين الإذعان والخضوع له أو خوض معارك شرسة ومستمرة معه والتي قد تنتهي بنتائج أليمة.
لم يعد صعباً في اعتقادي إدراك أن الجمود الفكري هو من أهم الأسباب خلف استمرار مشاكل الفرد وضعف قدراته على التفكير في الكثير من قضاياه أهمها علاقته بالآخرين، ولو طرحنا على أنفسنا سؤال “من أين يبدأ علاج الجمود الفكري؟” فسأقول: يبدأ من قناعة وتهيئة الفرد للانفتاح الفكري والعزم على الخروج من قوقعة الجمود الفكري ثم تنميه تفكيره من خلال تعلم وممارسة وتطبيق أنواع التفكير الناقد والإبداعي والمعرفي وغيرها الكثير، وايضاً عبر تعلم القوانين الكونية السبعة الهرمسية وبهذا يكون أمراً طبيعيا أن يحدث (الارتقاء الفكري).