متابعات – الرياض :
وصف الروائي الليبي إبراهيم الكوني التحديات التي تواجهها الرواية بأنها تنطلق من جملة التفاصيل الدقيقة والمتشابكة التي تشهدها الحياة الاجتماعية بوصفها حركة ديناميكية، مشيرا إلى أن رأس مال المجتمع احتراف العبور عبر تحدياتها عبر الحياة وطبيعة حياته، التي يدور في فلكها مركز هذه الحركة الجمعية التي يمثلها الإنسان، مما يجعل الإنتاج الإنساني يمثل السلعة المنتجة أيا كان تصنيفها بعد ذلك، ليواجه جدل القطب المقيم “الإنسان” القطب المهاجر بوصفه نقدا ربما انقلب جلادا… وقال الكوني: “إن الخارطة الإنسانية بدءا بقابيل وهابيل، تساعد الإنسان على فهم وفك شفرات تلك الحادثة منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا، ليظل المهاجر راعيا للإنسانية بوصفها حراكا ليظل في رحيل أبدي، لتظل الطبيعة مع هذا وذاك بيته الحقيقي في هذا الوجود، متحركا عبر هجرته من اغترابٍ إلى آخر في إنتاجه، الذي يظل محتفظا به سرا من أسرار هجرته، التي ربما جعلها وسيلة للتحرر حينا وللتحرك في الوجود حينا آخر، ليظل المهاجر جنسا من طيف وشبحا من جن”…. وعن ثنائيات العلاقات التي ترتبط بالواقع والخيال والحقيقة والظل، وغيرها من الثنائيات، وصفها الكوني بأنها تظل علاقات الإنسان فيما بينها حلما لا استقرار له، ما لم تهرع لنجدته الروح البيولوجية، وسليقة أسطورية، ما يجعل ما يصدق على زمان الوجود الإنساني مكانه – أيضا – في سرد من الصحراء، تطلب أن يمتلك السارد روحا أسطورية ولغة فوق الواقعية، لتكون الصحراء بذلك منفى للرواية لا وطن لها، جاء ذلك ضمن فعاليات اليوم الخامس ل (البرنامج الثقافي) للمهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته لهذا العام “جنادرية 29” الذي شهد مساء يوم أمس ندوتين عن الاتجاهات الفكرية في الرواية، أولاهما جاءت عن “الاتجاهات الفكرية في الرواية العربية: شهادات ودراسات في المسرح والدراما” التي أدارها الدكتور صالح المحمود. وأضاف الكوني أن التحديات تأتي على عدة مستويات منها اللغة المستخدمة التي تتطلب لغة داخل اللغة ذاتها، لتجسد “كينونة” مكرسة للتغني جماليا وأخلاقيا، ليصبح الحلم لاعبا لحلم قديم يحقق طموح التجربة الوجودية للسارد، مما يجعل السرد الروائي في كتابة الخطيئة للتكفير عن الخطيئة، مما يجعلها انتهاكا لحرم الروح استعادة لفردوس ضائع في نفس السارد، تمثله الحقيقة التي يبحث عنها السارد فيما يدونه من حلمه الكتابي… أما الجزائري الدكتور أمين الزاوي، فقد استعرض العديد من الرؤى حول مضامين الرواية العربية، معرجا على العديد من المعوقات التي تعترض المضمون الروائي العربي، مشيرا إلى أن الرواية العربي خلقت تراكما، وصفه المحاضر بالالتصاق بالواقع لا تأمله، مما يجعل رواية الحدث المسكونة بما يحدث من مواسم اجتماعية وسياسية وإيديولوجية، لا تخلق واقعا يغيب عنه البعد الفلسفي… وقال الزاوي: “الرواية العربية من هذا البعد تعد “رواية الكبت” على مستويات موضوعاتها المختلفة التي تسردها، كما أنها تعاني من حيث المضمون من حيث علاقته بالإعلام، نظرا لأن هناك شريحة من الروائيين العرب يشتغل بالإعلام، مما ينصب على رواياتهم، لتكون بذلك روايات إخبارية، عطفا على هذا الإسقاط، إلى جانب تشابه الروايات العربية في الجوانب الجمالية الي يغلب عليها ما يشبه النص المنبري. كما اعتبرت الدكتورة دلال الحربي، أن النص التاريخي يقدم الكثير من الأحداث بين الإيجاب والسلب، مركزة من خلال هذا البعد على المسلسلات التاريخية بوصفها دراما روائية، متناولة العديد من رموز وأبطال تلك المسلسلات ومدى ارتباطها بالذاكرة التاريخية، التي وصفتها بأنها مسلسلات حظيت بمتابعة جماهيرية، أعادت تلك الأحداث إلى الذاكرة من خلال الشاشة الدرامية، رغم ميلها لتقديم الأفكار وتجسيدها إلى المشاهد. وقالت الحربي: “هناك دور إيجابي لتلك المسلسلات فيما تقدمه من مضامين درامية بوصفها بديلا لما يكتنزه التاريخ، إلا أن هذا يقودنا إلى أسئلة منها قدرتها على التحقيق فيما تنقل من معلومات، ومدى قدرتها على تقديم صورة حقيقية بعيدة عن التشويه للحقائق، وخاصة لما يوجد من مغالطات تجاه أحداث تاريخية شوهت بقصد كما هو الحال في تاريخ الدولة الأموية عامة وهارون الرشيد خاصة، إلى جانب ما تطرحه تلك المسلسلات تجاه الكاتب والمحقق والممحص لها، ومدى القدرة على تميز حقائق تلك العروض الدرامية التاريخية.. مؤكدة أن المعالج للموضوع غالبا ما يطبع توجهه وانتماءه وعقيدته بصبغة ظاهرة على تلك المسلسلات بشكل واضح مختتمة مشاركتها بالتأكيد على أهمية الحاجة على الدراما التاريخية. وعن “الدراما وتوظيف النص التاريخي في العمل المسرحي” وصف المصري محمد جلال الشرقاوي، أن هذه الدراما عانت عقودا من غياب الترجمة لها إلى العربية حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، مؤكدا أن هناك فرقا كبيرا بين كتابة التاريخ المعتمد على الوثائق التاريخية، وبين الرواية التاريخية.. وأضاف الشرقاوي، أن هناك من كتب التاريخ بأسلوب أدبي في قوالب مسرحية حققت نجاحا كبيرا في هذا المجال الإبداعي، موضحا أن هناك أنواعا تقف خلف الروايات التاريخية التي تتأرجح بين إحياء الماضي وإذكاء روح القومية بطرق مختلفة سلكها المسرحيون، إلى جانب مسرحة الماضي بإسقاطه على الواقع الحاضر التي تدخل مسرحتها ضمن موضوعات الرواية السياسية… ومضى الشرقاوي في حديثه مؤكدا أن دور الفن لم يعد لتجسيد صورة عصر أو حقبة زمنية، وإنما الانتقال إلى دور يحرض الفكر المعي ويحرك مياه الثقافة ليكون بذل فنا فاعلا له حضوره ورسالته المؤثرة في متلقيه، بعيدا عن الإخلال بالأهداف الكبرى لكون المسرحي فنانا خلاقا مبدعا لا مؤرخا ناقلا للأحداث والوقائع المختلفة… من جانب آخر تحدث الدكتور صالح بن معيض الغامدي، عن عدة شهادات روائية، مستهلا حديثه أمثلة مما تضمنته المنتديات الإلكترونية من شهادات تساء حولها عن مدى اعتبارها والوثوق بمضامينها وما تمثله من شهادات يمكن أن توظف في أعمال الأديب.. مشيرا إلى أن العديد من الفروض العلمي التي قد تدخل ضمنها تلك الشهادات عند ربطها بالكاتب ومدى قدرتها على تقديم شهادة دقيقة إبداعية تجاه الكاتب قد تكون نصوصا مساندة للمبدعين ودليلاً مرشدا للقارئ الذي يبحث ليتعرف على مبدع ما أو قد تكون – أيضا – مظللة للقارئ من جانب آخر… واعتبر معيض أن تلك الشهادات قد تكون مركزة على ما تم إنجازه، أو وصف ما يقوم المبدع من إنجازه، أو استشرافا لما يعد له المبدع في هذا الفن السردي، موضحا أن تصنيف الشهادات فنا إبداعيا قائما بذاته، وما مدى الحاجة إليه إذا ما نظر إليها من منظور إيجابي. أما الروائية والكاتبة أميمة الخميس، فقد استهلت مشاركتها أن الحديث عن التجربة الروائية بوصفها شهادة مركبة للمبدع، لوصف تحولاته ونمذجة ذاته في شهادة روائية بصفة خاصة، تفرض نوعا من الارتباك أيا كانت مسيرة تجربة الروائية أو الروائي…. وأضافت الخميس، أن هناك مفارقات كبيرة بين كتابة الشهادة الإبداعية بين شاعر وروائي، وخاصة إذا ما ارتبطت بالإنسان العربي، بوصف القصيدة هوية العربي، الذي يكتب قصيدته كقدر، ويتأبطها كتعويذة في شتى مواقف حياته الحياة المختلفة مع ما حوله… ومضت الخميس في مشاركتها مستعرضة التحول الذي شهدته الساحة العربية الثقافية خلال زمن الحداثة وما بعد زمن الحداثة، التي أشارت إلى أن الرواية خلال فترة ما بعد الحداثة دخلت دائرة الأضواء ليقال بعد ذلك: زمن الرواية. واستعرضت الخميس خلال تجربتها موقف تلك الطالبة من الكتابة الأدبية بين الشعر وبين السرد، التي وجدت نفسها بأنها تستجير بالحكاية أكثر منها إلى الشعر، الذي جعلها تحتفي خلف الأشخاص والأحداث في أرض الكلام في مدن الرواية التي أخذتها لتبدأ لعبتها بالكلام، الأمر الذي قادها إلى كتابة الرواية بوصفها جامعة لفنون الإبداع المختلفة بكافة أشكالها التي تقترب بكافة أطيافها إلى الحياة. وقالت أميمة: الراوي يكتب بدمه وجسده، ويروي كل ما يدور في أعماقه وحوله، بطريقة يتمثل فيها محور الارتكاز احترافية الراوي فيما سيكتب ليتوارى خلف الكثير من أدواته للبوح بما تكتنزه الحياة من معاني تخفق فيها الأرواح محملة بأسرار الوجود، عبر تداخل الواقعي بالسحري في فتنة لا تنتهي.. مستعرضة مشاهد روائية من روايتها “الوارفة” و”البحريات”. أما “الآخر في الرواية السعودية بوصفه ثقافيا وحضاريا ورمزا” استعرض الناقد الدكتور حسن النعمي، أن الرواية العربية تشكل الآخر فيها في ظاهرة، مشيرا إلى هناك تباينا في الرؤى والمعالجة تمثل ما وصفه بالأزمة في تناول الآخر عبر ما تعكسه العديد من النماذج الرواية تجاه رؤيتها إلى الآخر أن الأمر الذي يعيد السؤال: ما مدى حيادية الكاتب فيما يكتب تجاه علاقته بالآخر؟
وقال النعمي خلال حديثه: يتمثل لآخر في الرواية العربية عامة والسعودية خاصة في رؤية قلقلة، ذات نزعة تأتي امتدادا لرؤى اجتماعية وثقافية وفكرية، الأمر الذي يجعل من حضور الآخر بوصفه موضوعا في الرواية السعودية يمثل محرضا تجاه العلاقات الكتابية بين أحداث الرواية، ومدى هيمنة تصور الاخر على فضاء الرواية تجاه العديد من الموضوعات الروائية التي كتبت في مشهدنا المحلي. واختتم النعمي حديثه أن طريقة المعالجة الروائية في الرواية المحلية لم تتغير رغم التحولات التي شهدها الحراك الثقافي محليا وعبر التطورات المختلفة التي شهدها المجتمع السعودي وخاصة خلال فترة الثمانينيات، بأنها جعلت الآخر مسخرا للخدمة فيما يدور من أحداث تلك الروايات التي طغت على أحداثها نمطية الرؤى للآخر. أما الدكتور سامي الجمعان، فقد أكد خلال مشاركته على أهمية الوعي بالمفاهيم في إطار ربط الرواية بالتاريخ وبالدراما وبالمسرح من جانب آخر، مستحضرا جانبا من تاريخ فن الدراما التي تلتقي في الكوميديا والتراجيديا، مشيرا إلى أن توظيف النص المسرحي ليس بجديد على الفكر الإنساني الذي عرف منذ العصر اليوناني. وعن توظيف النص التاريخي في المسرح استعرض الجمعان جملة من الوسائل التوظيفية، التي أورد منها الفكرة الأثيرة لدى الكاتب، والحيل في تمرير التاريخ كوسيلة لتمرير رسائلهم المسرحية، إلى جانب ما يتميز به الكتاب من قُطرٍ إلى آخر في توظيف التاريخ مسرحيا التي أوضح أنها تتباين من قطر عربي إلى آخر، مستحضرا العديد من النماذج المسرحية كمسرحية الزير سالم ومسرحية عنترة. أعقب ذلك العدد من مداخلات الحاضرات والحاضرين، الذين تساءلوا عن واقع الرؤية الفكرية التي تلاشت لدى بعض المشاركين فيما تناولوه من زوايا الرؤى المختلفة التي استعرضوا الرواية من خلالها دراميا وتاريخيا ومسرحيا، الى جانب الذات الكاتبة والمكان والإنسان بوصفه مرتكزا اجتماعيا الذي يعد جذر الحركة الفكرية والثقافية في الرواية، وواقع البطل في الرواية بين الرمز من جانب والشعبي من جانب آخر.