عباس المعيوف – الأحساء :
ابتعد منتدى بوخمسين الثقافي أجواء الأمسيات التقليدية الجادة ، وذلك في أمسيته الشعرية الساخرة التي نظمها مساء أمس في مقر المنتدى في نزهة المبرز، من خلال استضافة الشاعر والكاتب صادق السماعيل، بعنوان «الأدب الضاحك.. حكاية شخصية». حيث أشبع ضيف الأمسية الجمهور ضحكا موظفا الشعر والنثر في خدمة التراث والمواقع الأثرية في الأحساء، مدعما بعرض مرئي للأماكن التي تغنى لها شعرا.
وجاءت الأمسية كما هي التوقعات حشد كبير من الشعراء والمهتمين في الأمسية التي قدم محاورها الباحث أحمد البقشي، وحضرها رئيس المنتدى الشيخ عادل بوخمسين، وموفق بوخمسين، والمشرف على المندى عباس المعيوف، وتناول الشاعر السماعيل بعض من أنواع الأدب الساخر في مجموعة من القصائد تنوعت بين التراثية والهزلية، والغزلية أيضا، إلى جانب البحث عن ( العسو) تلك الأداة التي كانت لا تخلو من أي بيت أحسائي وهي عبارة عن مكنسة لتنظيف المنازل المصنوعة من عذق النخيل، وقد شارك السماعيل ببعض قصائده منها ( كوكو بوكمشه) و (البسكويت المربع) و ( عين أم خريسان) وغيرها من القصائد الأخرى المتعلقة بالتراث القديم.
كما اتسمت الأمسية بمداخلات اشادت وأثنت على الشاعر وما يقدمه من أدب ضاحك ، فيما كانت أول المداخلات من الأستاذ يونس البدر الذي قال: تحية طيبة وكبيرة لمنتدى بوخمسين الثقافي ، تحية كلها تقدير لهذه الجهود التي يبذلونها في خدمة الثقافة والأدب بمنطقتنا، وتحية كبيرة أخرى لنجم هذه الأمسية الأستاذ صادق السماعيل الشاعر المتألق والجميل ، هو اسم جميل ومبدع ولذلك يجتذب هذا العدد الكبير من محبي الجمال والإبداع. وعندما أقول (إبداع) فأنا أعني ذلك ، لأن شاعرنا وكاتبنا صادق ليس مجتراً لفكرة أحد، وليس مقلداً لعبارة أحد، كأنه ولد وولدت فكرته معه، موضوعاته الساخرة تنطلق من أعماق بيئته وكيانه، وتعبيراته الضاحكة تنبعث من وجدانه الشعبي والإنساني، إلى جانبه اليوم كنت أتمنى أن يجلس ناقدٌ بصيرٌ ليوضح لنا هل هناك خصائص يمكن أن تقال عن كتاباته لكي نعرف سر انجذاب النفوس إلى ما يكتبه ، وسبب ارتسام هذه الابتسامة على وجوه قرائه.
إن كتاباته الساخرة تمتاز بالتعريض الذي يعرّي الفكرة لتضطلع من نفسها بمهمة الفضح السلس لمشاكلنا الداخلية. وتمتاز أيضاً بالمفردات الشعبية ولغة الحياة اليومية التي تشرح صدر الإنسان البسيط وتثير ضحكة الإنسان المعقد.
وتمتاز علاماته اللغوية بأنها تحتمل الانفتاح على قراءة سيميائية بامتياز، ذلك حين يتخذُ من القيمة التراثية ( العسو، الطبينة، قصر الدليجية، قصر المجصة … الخ ) أو غير التراثية (البسكويت المربع، كاكو بو كمشه، شخصية الحمالي وهب …) علامةً جامعة ليبني من خلالها نصاً محتشداً بالتأويلات الممكنة رغمَ بساطتها وتواضعها ولذلك نقرأ نصاً يضحكنا منا ويكبينا علينا.
وتمتاز صوره بأنها مثل رسم الكاريكتير، تضحك وتبكي في آن واحد. شعره مزاح ودعابة وهزل، فهل من هذا الشعر يمكن أن نتلمّس خطاباً إصلاحياً تقويمياً ؟ عند صادق، ربما يكون ذلك؛ لأن سخريته تمتاز بأنها خطاب تداولي لا ينفك عن واقعه ومقامه الذي يقوله فيه، يحمل الفعلُ في نصه قوة إنجازية مضمرة، فهو يخفي وراء هذه الأقوال دلالات أخرى خفية هي الدلالات المقصودة بالقول وهي التي عبر عنها (سيرل) بالقوة الإنجازية المتضمنة في القول، حيث إن الفعل الإنجازي لديه يحمل قوتين: قوة إنجازية حرفية وقوة إنجازية متضمنة، إنّ سخرية الأستاذ صادق السماعيل هي سخرية القول وسخرية المقام أيضاً. هي سمة أسلوبية يمكن إدراكها على مستويي التلفظ والتلقي.
عندما أقرأ للكتاب العالميين ألمح في أدبهم وعياً كبيراً بالمخاض الإيديولوجي الذي تعيشه مجتمعاتهم فيطلقون العنان لتعبيرات ساخرة وأخرى صاخبة وأخرى مؤلمة هكذا رأيت صادق السماعيل إنه يعي المخاض الذي نعيشه فيكتبه لنا لنضحك ونتأثر، في ختامي كلمتي أود أن أحيي هذا الشاعر الرقيق المبدع وأتمنى له مستقبلاً مشرقاً واسماً خالداً. وتحياتي وشكري وتقديري مرة أخرى للقائمين على منتدى بوخمسين الثقافي والسلام عليكم.
أما الدكتور علي حسين الجنوبي وصف الأستاذ صادق السماعيل، بأنه دقيانوس كما نحب أن ندعوه، وقال : كان لقائي الأول معه – قبل بضع سنين- في عليين. في منزل الأستاذ ناجي بن داوود الحرز في إحدى جلسات منتدى الينابيع الهجرية، ليعلن بدء مرحلة جديدة فيه.، قدم هذا الشاب الأحسائي البشوش إلينا وفي جعبته ما يكفي من البسمة والنقاء والعطاء ليشملنا به، جلس لهنيأة ليطربنا بشيء مما خطته يمينه. حتى لما غادر المجلس بقيت روحه المرحة تحلق في المكان.، جعل من عنصري المفارقة والدهشة وقودَ الضحك حدَّ القهقهة.، تلمحُ في محياه شموخ النخلة و تشتمُّ منه عَبَق الطبينة.، كان بارًا بعمته حتى تسمى باسم ابنها ” العسو”.، لم يفتأ يجمع درره الثمينة في ما جاء في الطبينة في حصّالة دفتره، تلذذ بالبساطة حتى حسبته الحمالي وهب ذاته، من كاكاو بو كمشة مرورًا بالبسكويت المربع، وصولًا للقواطي .. فلسفة معقدة مغموسة بالدبس مغلفة بالسكاكر، شاء الله أن أكون مناوبًا في المشفى ليلة الأمسية البكر لدقيانوس. ربما أظفر أن أطبب القلوب والجراح بابتسامة صانعها هو دقيانوس نفسه. فأرجو أن يصل صدى الضحكة من نجد إلى هجر النخيل هذا المساء، كان الأستاذ “صادق” للجميع، فكان الجميع له .. بورك صدقك ونقاؤك يا صادق …
دقيانوس إسمٌ لأديبٍ وشاعرٍ ألفهُ المشهد الثقافي والأدبي وأحبه كثيراً فلا يكاد تمر جلسة من الجلسات التي يحضرها الشعراء إلا ويذكر هذا الإسم بكل الحب لما يكتبه هذا الدقيانوس الجميل من نقد عميق لظواهرَ إجتماعية برمزية فريدة لحرفيته العالية في صب كل ما يريد البوح به في قوالبَ ساخرة مستخدماً القاموس المحلي بإسلوبٍ أبعد ما يكون عن التكلف وبإسقاطات غالبا ما تكون ماتعة حد الإدهاش .
أما الشاعر عبدالمجيد الموسوي، قال اجعلوني بينكم الغائب الحاضر إلى دقيانوسي القريب من القلب المسمى بالأسد الأليف في الفيس بوك و المدعو بالشيطان الأخرس في الواتساب ذلك النهر الصغير الجاري بشعره و لمحاته الهزلية البديعة المتألقة،،،
دع عنك لُطفَك و ازأر أيها الأسدُ فكم عشِقنا وثوباً منك يتقدُ
لملِم حروفَك لملِمها على عجلٍ فالبوحُ بالهزلِ العفويِ يتحدُ
(شيطانُك الأخرسُ )الشطآنُ تدفعهُ صوبَ الحقيقةِ حيثُ الشعرُ يُفتقدُ
ففي رحابِك (دقيانوس) دُقّ لنا ناقوسَ بركانِ حبٍ كاد ينخمدُ
ألم يأن للقصيدِ العذبِ يُغدِقُنا إنّا ظِماءٌ لنهرٍ (صادق) يفِدُ