يبدو ان تلك المقولة الشهيرة أعلاه والتي اطلقها القائد والأمبرطور الفرنسي المعروف: نابليون بونابرت، وغيرها من الأقوال الخالدة التي صدرت عنه .. كمقولة: لامستحيل تحت الشمس، وجبال الألب يجب أن تزول؛ كي لاتعيق جيشه عن المسير؛ من أجل تحقيق طموحاته، وأطماعه الكبيرة في ذلك الوقت.. اصبحت فيما بعد أيقونةً، ونبراساً ؛ للطامحين للمجد، والعظمة، والنجاح خاصةً في أوروبا.. فقلما نجد كتاباً او مقالاً لكتّاب غربيين إلا؛ ويُذكر فيه اسم نابليون بونابرت .. فهو من القادة النابهين في التاريخ الحديث .. حيث أعتلى سلم المجد والشهرة من ضابط مدفعية مغموّر في الجيش الفرنسي، إلى إمبراطور فرنسا؛ يهابه الأوروبيين في ذلك العصر .. لفرض سيطرته على أجزاء كبيرة ً منها .. ولخطورة طموحاته العسكرية والسياسية .. وانتصاراته العسكرية المدوية في عصره؛ فهو بحق نموذجاً للإرادة الصلبة والعزيمة القوية ؛ رغم الإنتكاسات العسكرية المريرة في آواخر حياته.
فلو تتبعنا حياة العظماء والنابهين عبر صفحات التاريخ؛ لوجدنا أنهم يشتركون في صفات متقاربة إلى حدٍ كبير. لعلّ أهمها وأبرزها هوّ: قوة العزم والإرادة، والتصميم الذي لايُقهر. فحكماء العرب ذكروا قديماً: بأن الحظ، والإرادة؛ متلازمان، والهيبة، والخيبة؛ فرسيّ رهان. ويقول داهية العرب المتفرّد عبر العصور : معاوية بن أبي سفيان .. الهيبة خيبة. وهناك حكمةً شهيرة يؤمن بها الإنجليز وهي: بأن القلب الجرىء؛ يُحطم الحظ السيئ، والحظ حليف الجرىء دوماً. فلو أستسلم الرسل، والأنبياء لواقعهم الذي كان مريراً، وشاقاً وطويلاً عند بداية دعوتهم؛ لما استطاعوا أن يوصولوا رسالات الله سبحانه وتعالى إلى أقوامهم؛ ولكنهم تسلحوا بالإيمان العميق بالذي كلفوا به من ربهم. كذلك الحال لعظماء العالم؛ من مخترعين عباقرة، وعلماء أفذاذ، وقادةً عِظام غيروا مجرى التاريخ، ونهضوا ببلدانهم إلى المجد، والسعادة، والحياة الرغيدة، والكريمة؛ جعلت منهم مخلّدين في ذاكرة الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. بفضل عزيمتهم وقوة شكيمتهم وإرادتهم الصلبة.
فالمرض جعل من العبقريّة الملهمة عالمياً للإرادة الخارقة للعادة: الأمريكية : هيلين كيلر صماء وعمياء عندما كانت طفلة قبل أن تتمكن من فهم الكلمات أو ما تصفه، ولكن بفضل العمل الرائد للمعلمة الفذة آن سوليفان لم تتعلم كيلر القراءة والكتابة فحسب، بل واصلت الدراسة حتى التخرج من الجامعة. كانت مصدر إلهام لعالم كانت معزولة عنه. كتبت كيلر كتاب السيرة الذاتية الأكثر مبيعاً، وساهمت بكتابات في الصحف، وألقت الخطب، وقامت بجولة حول العالم لمناقشة كل شيء من حقوق المرأة إلى الطاقة الذرية، وكانت سفيرة للنوايا الحسنة للولايات المتحدة في اليابان عام 1948، كما التقت وألهمت شخصيات بارزة مثل المؤلف مارك توين، ومخترع الهاتف ألكسندر غراهام بيل، ووينستون تشرشل. وتم تقديم طفولة كيلر مع سوليفان في مسرحية ويليام غيبسون “ذي ميركل ووركر” أو صانعة المعجزات في عام 1959، والتي فازت بجائزة بوليتزر في عام 1960 وتم تحويلها بعد ذلك إلى فيلم سينمائي في عام 1962 فاز باثنتين من جوائز الأوسكار.
حقاً إنّ سيرة هيلين كيلر؛ تُجسد صدق مقولة نابليون عنوان هذا المقال؛ بأنّ المستحيل في عقول الحمقى والمجانيين؛ فهي لم تستسلم لقدرها المريرحقاً؛ ولكنها حققت المستحيل بأمضاء وقوة عزمها وصبرها الغير مسبوق .
إن طريق النجاح والمجد؛ شاق وطويل .. ولكنّه مضمون للمغامرين الذين لايتراجعون، ويتقهقرون .. ولايقبروّن مواهبهم الكامنة كما يقول إيليا حليم حنا. فمن توهن المصاعب، والمصائب عزمه: لايُفلح .. ومن يتغلب عليّها ينجح ويسمو لطريق الحظ، والسعادة. فسرّ النجاح والمجد الخفيّ : ١- هو أن تتعلم ممن هو أعلم منك. ٢- أن لاتمنعك القدرة على المواصلة، والأستمرار. ٣- أن لاتتحدث عن نفسك، وإنجازاتك. والفقرة الأخيرة هامةً جداً؛ فهي من يجعل من البعض يخبو، ويفل ّ نجمه؛ بسبب تحدثه عن مافعله، وماسيفعله مستقبلاً .. حتى أصبحوا متصدرين لقائمة التغنيّ بماضيهم السحيق، والغابر، وكانوا وبالاً على مجتمعهم، ومن حولهم؛ وتذيلوا قائمة الأخفاقات، والسقوط المريع .. وهؤلاء ينطبق عليهم المثل العربي الأصيل: أسمع جعجعةً ولا أرى طِحْنًا: يُضرب للمرء الذي يُكثر الكلام ولا يعمل، والذي يَعِدُ ولا يفي. فمن كثُر كلامه كثُر ملامُه وعثراته غالباً.
ألنجاح عبارة عن: استعداد دائم، وعمل دؤوب، وإرادة ومعونة من الله تعالى .. وإن العطاء دائماً على قدر العزيمة والإصرار الذي يجعل من المستحيل واقعاً مشاهداً. لاتيأس ولاتكون خامد الهمة، أو واهن العزم.. فقد يكون بينك وبين المجد والنجاح بضع خطوات قِصار. يقول الفيلسوف الألماني الشهير: فريدريك نيتشه .. لاتمشي في طريق من طرق الحياة؛ إلا ومعك سوط عزمك وإرادتك.. لتُلهب به كل عقبة في طريقك. وأعجبتني تجربة لأحدى النوابغ الغربيين يقول فيها : إنني أرى بالأختبار أن الفرق بين البشر، قويّهم وضعيفهم .. حقيرهم وعظيمهم؛ هو في قوة العزم والإرادة.. حتى إذا عزم المرء على أمر ما ؛ لايرتد عنه إلا بالغلبة أو المنية.. ومن كان ذا عزمٍ قويّ، استطاع أن يفعل كل مايمكن فعله.. ولا تستطيع المواهب و لا الأحوال ولا الفرص أن تجعل الرجل رجلاً.. إذا لم يكن عزوماً .. فالمشاق توهن عزم الجبان ؛ ولكنها تزيد من همة الجرىء الشجاع .. المؤلف الأسكتلندي صامويل سمايلز. فالفرص قدّ تأتي في ثوب العمل الشاق، والمضني .. ولكن نتائجها عظيمة و كبيرة.
وختاماً لنعلم جميعنا بأن الناجحين والموتى ؛ ليس لهم اصدقاء .. وأنه لايُركل كلب ميت( اعزكم الله) ، ولايُرمى إلا الشجرة المثمرة دوماً. فالناجحون والمبدعون والعظماء يواجهون تحديات كبيرةً جداً.. حتى يصلوا لمرادهم ، وأمنياتهم التي كانت يوماً ما مستحيلة. فالبعد كل البعد عن المحبطين، والمثبطين للعزائم .. أولئك الذين يبعثون بك إلى شواطئ الفشل، والهزيمة الداخلية للنفس بعد أن كنت ذا همةً تواقةً لمعالي الأمور .. أهرب منهم هروبك من المجذومين .. عاشر دوماً المقبلين على الحياة بكل جسارة وحكمة .. المحفزين على المضي قدماً نحو تحقيق النجاح، والرقي والتميز. ولنقراء ونتتبع سيّر وقصص العظماء، والناجحين الذين غيّروا حياتهم رأساً على عقب وأبهروا العالم أجمع بتلك النجاحات العظيمة؛ كي تُلهب حماسنا، وتقويّنا ، وتكون مرشدنا دوماً بعد توفيق الله سبحانه وتعالى. ولنتذكر دوماً : بأن الطريق المفروش بالورود، والأزهار .. لايؤدي إلى المجد، والعظمة، والنجاح .. وإن فن النجاح : يأتي بأن تكون تارةً جرىء، وتارةً أخرى متعقلاً.
باحث اجتماعي ومختص في العلاقات الدولية