تروي آثار قصر الصحابي سعيد بن العاص رضي الله عنه تاريخا مجيدا لأحد أشراف قريش، وأجوادها وفصحائها، في مكان لازال عبقا على مدى 14 قرنا محاطا بسياج الإجلال والمهابة داخل القصر العامر لسمو أمير منطقة المدينة المنورة سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز، وعلى ضفاف واد مبارك تنزلت فيه ملائكة السماء على النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم: “أتاني الليلة آت من ربي وأنا بالعقيق أن صل في هذا الوادي المبارك”، وما يجمع صاحب الأطلال القديمة بساكن القصر الحديث أنهما توليا أمارة المدينة المنورة، فالأول شرف بجمع وكتابة القرآن الكريم بأمر من الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ابتناه عندما كان واليا للمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، عرف بالسخاء والعطاء، أطفأ ذات يوم شمعة ليحفظ لسائل حياءه عندما قصده في حاجة فتعقد وتلعثم فبالغ في أعطيته، أما ساكن القصر الحديث فأمير سبقت مقدمه لطيبة الطيبة كل البشائر، وخلال أيام معدودة من توشحه الثقة الملكية، وتسنمه أمارة المنطقة جاب المحافظات والمراكز، والتقى الأهالي واستمع لمطالبهم وتلمس احتياجاتهم دون حواجز، وفي ذات القصر العامر يتجدد ملتقاه الأسبوعي بالمواطنين، وفي مكتبه بالأمارة يستقبل مسؤولي الجهات الحكومية والقطاعات المتعددة فيوجه بمضاعفة الجهود خدمة لساكني البلدة الطيبة المباركة، وفي الحرم النبوي الشريف متابعة حثيثة لخدمة المصلين والزوار، وعناية أب حان بطلبة العلم من الناشئة العاكفين على حفظ كتاب الله، وتدارس المتون العلمية، وزيارة لذوي الإعاقة في مراكزهم التعليمية ومحاضنهم التربوية، يفيض قلبه إيمانا وإنسانية ويداه جودا وكرما، ليعيد للأذهان الصورة المثلى للحاكم الإداري الذي يجمع بين الحكمة والحصافة، والحزم والرحمة، والهيبة والتواضع، بعد أن نهل من مدرسة سلطان الخير والإنسانية رحمه الله.
وتذكر مصنفات التاريخ أن القصر الأثري ابتناه الصحابي الجليل بالأحجار الجرانيتية والجص في منحنى الوادي إبان ولايته على المدينة في العقد الخامس من الهجرة الشريفة، ويعد أحد أبرز المعالم التاريخية والحضارية التي تعود للقرن الهجري الأول ومن أهم القصور الأثرية، حيث يتميز بهندسته المعمارية البديعة التي تضم تكوينات وعناصر تعكس الجانب الفني والجمالي للعمارة المدنية الأصيلة مثل الأقواس والأعمدة المنحوتة من حجارة حرات المدينة المنورة.