كان من نعم الله علي أن عملت في المملكة العربية السعودية تلك البلاد المباركة مهبط الوحي وقبلة المسلمين الكعبة المشرفة زادها الله تشريفاً وتعظيماً و يالمقامها وقدسيتها ورفعتها عند أمة الإسلام أجل..كان من نعم ربي علي أن عملت في بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية مهوى قلوب المسلمين حفظ الله لها أمنها وإيمانها وعزها وإسلامها اللهم آمين .
وكان أن عملت أول ماعملت فيها مع الحرس الوطني في بداية عام ١٤٠٢ هجري لمدة أحد عشر عاماً زاده الله منعةً وقوة كانت من أجمل سنين حياتي مع الحرس الوطني في الأحساء في تلك المنطقة التي تضم أكبر واحةٍ للنخيل في العالم واحة هجر، الواحة البهية، الأنيسة المؤنسة ،العامرة بالود ،والمكتحلة بخضرة النخيل ،والمؤتلقة بأوثق عرى التواصل الاجتماعي ،هذا ما لمسناه وشهدناه ورأيناه وشاهدناه سواءً كان التواصل بين الأسر بعضها مع بعض أو التواصل فيما بينها أو مع من يسكنها من خارجها وكذلك مع الوافدين إليها ليجد فيها الجميع الأنس والطمأنينة والراحة والسكينة، والسرور والبهجة أجل .
وكنت قد قضيت السنين الخمس الأولى فيها ساكناً في حي المنقور في المبرز. لأنتقل بعدها إلى حي الشروفية ذلك الحي الهادئ الأنيس الذي يضم أسراً أصيلة وعوائل كريمة وجواراً يانعمَّا هو ذكرياتهم ملء السَّمع والبصر ، وقربهم كرياضٍ نضرة وأنسهم كنخيل الأحساء ظلٌ وخير وجمالٌ وبر ويالها من ذكرياتٍ لي معهم كأسرة آل المغلوث ابتداءً مروراً بأسرة الصُّويغ إلى أسرة العبد القادر إلى أسرة العفالق إلى أسرة الراشد إلى أسرة المخايطة إلى أسرة الشهيل إلى إلى … وللجميع ودي ومحبتي وتقديري واحترامي .
وقد سكنت بجوارهم جميعاً ويانعمَّا هم بشاشةً وطيباً ,طلاقةً ومروءة ,كرماً وحسن جوار ,إلا أن آل المغلوث كانوا الأقربَ جيرةً لي حيث سكنت بينهم وكان أن احتضنوني في دارٍ لهم قرابة ربع قرنٍ من الزَّمان وهنا بيت القصيد كانت نعمَّا جيرتي لهذه الأسرة الفاضلة أسرة المغلوث الجدار على الجدار وآل المغلوث يحيطون بي من اليمين والشمال ويجاوروني من اليسار والجنوب أولئك الذين عشت بينهم وكانوا نعما هم برَّاً ومودَّةً ، صلةً ومروءةً ،أهلاً وجيرةً ، حفظاً وصوناً ،تعاملاً ودماثة أخلاق لم أشعر بينهم قطُّ بالغربة والاغتراب وماشعرتُ إلا أني بين أهلي وعشيرتي وقرابتي وأحبابي كنت مجاوراً لبيوتهم أعيش معهم وأسكن بينهم ويحيطون بي من جميع الجهات ،ألفتهم وألفوني واستأنست بهم واستأنسوا بي وصحبتهم وعرفوني ألقاهم في الحي في الجوار في المسجد وفي كل مكان فيسَّاقط الود كديمٍ مكتنزةٍ بالجمال والخير وبالذكراه مسجد الصويغ في ذاكرتي وخيالي ويالهذا المسجد من ألقٍ ونورانية أجل المسجد الذي ينداح فيه النور والألق وتتهادى فيه أنوار الآيات كأنها شموسٌ ساطعة تضيً فضاءات القلوب لتشرق منها الروح
هذا المسجد الذي كان قطعةً من روحي وجزءاً من تاريخي وحياتي وربيعاً مزهراً بذكرياتي وسطور جمال لقصيدي وبياني إن أنس لاأنس ذكرياته وعطاءاته وأنواره وألقه وإشراقاته وضيائه لأقول :
ياماأُحَيْلى نفحةً هبَّت مع الفجر الرَّقيق
فواحةً وأريجها ينساب من أُفُقٍ طليق
بعد الصَّلاة تنفَّست والليل ينأى كالغريق
والصُّبحُ أسفر وجههُ وانداح بالنور الرَّفيق
لقد شعرت في هذا الحي بروعة الجوار وأكرم الديار وأطيب العشرة وأجمل المودة شعرت معهم بالأمن والطمأنينة ،ورأيت بدور الأنس فيها وتذوقت شهد الألفة ،وشهدت حسن الجوار وأنستُ بطيب الصُّحبة ،هكذا كان شعوري ومشاعري في هذا الحي مع آل المغلوث وهكذا كان الحال مع جميع الأسر الفاضلة في الشروفية وللحقيقة فإني شهدت المروءة والجود فيهم ،وخبرت الأصالة والجمال بمعرفتهم وقد استأجرت من آل المغلوث هذا البيت الذي عشت فيه ربع قرنٍ من الزمان جاءني فيه ستة أولاد وكانت حياتي فيه من أجمل سنين حياتي وذكرياتي فيه من أروعها وأجلها كتبت فيه أبدع سطور عمري وسجَّلت أروع ذكريات حياتي ، ولا أنتظر في هذا آلبيت حديقتي التي كنت أرعاها وزهور الفل والياسمين فيها أما عريشة الياسمين التي عرَّشت واستطالت لتصل للطابق الثاني وتنشر ريحها وفوحها وعطرها للبيت والحي الذي أنا فيه فقصةٌ أخرى لهافي القلب بوحٌ وريحان وسرٌ ووجدان.
أجل وللعلم فإني كنت أتصرف بالبيت كأنه لي طيلة هذه الفترة الطويلة التي سكنتها ماسمعت من آل المغلوث إلا الكلمة الطيبة وحسن الجوار ولارأيت منهم إلا الأصالة وطيب المعشر كانوا نعما هم تعاملاً وعلاقاتٍ كراماً يتحلون بالبشاشة والقيم ،ورجالاً سمتهم المروءة والشيم رأيتهم إخواناً أفاضل وأصحاباً أكارم وأحبَّةً يقدرون الجوار و ويدارونهم بكريم خصالهم وطيب سجاياهم ولطيف معشرهم
أما تصرفي في البيت الذي استأجرته فقد بنيت وأصلحت وكسَّرت وعمَّرت وزدتُ وحسَّنت وماكان منهم إلا كل مايسر ويبهج ويؤنس ويطيب النَّفس وماذا في جعبتي بعد ومن أتذكر وماذا أتذكَّر؟!
أتذكَّرُ جاري الفاضل الشيخ صالح داوود المغلوث أبوعادل صاحب اللطائف بسماحة وجهه وجميل ابتسامته ولطيف دعابته وجمال ردوده خصوصاً عندما يجتمع مع الشيخ حسن عبد الله العفالق رحمه الله والشيخ عبد الله الصويغ أطال الله في عمره وزاده من فضله ، وأتذكر أيضاً أخاه الأكبر الشيخ سلمان داوود المغلوث رحمه الله أبو طلال بكريم أخلاقه وحسن جيرته وطلاقة وجهه وحسن خلقه وسمته الهادئ وطبعه الرَّزين وكنت أزوره بين الفينة والفينة
– [ ] وأتذكر كذلك جاري الفاضل عميد أسرة آل المغلوث الآن والذي مازلت أزوره وله عليَّ حقٌ ودين من طيب أخلاقه وحسن جوارة وكرامة أصله أطال الله في عمره ومده بالصحة والقوة والإيمان والعافية الأستاذ عبد آلعزيز داوود المغلوث حفظه الله وما أجمل اللقاء به وبآل المغلوث جيرةً أفاضل وجوارا ًبيوتهم الأنس ، و التواصل معهم جمال ،بيوتهم مفتوحة كأنها مضافات والفرحة عامرةٌ بأروقة مجالسهم التي لاتغلق أبوابها ويانعما هم ويا نعمَّا اللقاء بهم وعادتي التواصل معهم على الدوام خصوصاً في الجمع والأعياد ولاأنسى جمال علاقاتهم وأنس جوارهم وجميل صحبتهم في هذا الحي ماحييت الحي الذي اقتطع ربع قرنٍ من أجمل أيام حياتي فلآل المغلوث مني مهجة القلب وماء الروح وأندى الوصال معجوناً بالوفاء والحب لهم على مر الدهور والأزمان وإن سكنت بعيداً عنهم فهم بالقرب والقلب والمهجة والروح زادهم الله من فضله وعطائه ولجميع من عرفت منهم ولجميع من عرفت من الحي ولأهلنا الذين أحببت فيها لأقول في الختام
هي الأحساء فاتنة الليالي
وأجمل واحةٍ في الأرض سحرا
وأمُّ الخير أي والله جوداً
وأهلوها هُمُ الأخيارُ بِشرا
وأحسبهم كمثل الشام أهلّي
وحقُّ الأهل مااستُبقيتُ بِرَّا
وحقُّهُمُ مدى الأزمان وصاٌ
ولن أنسى بطول العُمرِ هجرا
هي الأحساء تحيا في فؤادي
ومازالت عروس الطُّهرِ بِكْرا
والحمد لله رب العالمين
د. محمد إياد العكاري
١٢/١٢/١٤٤٥
١٧/٦/٢٠٢٤م