وجه الرئيس الفخري لجمعية الإستشارات النفسية والإجتماعية بمنطقة جازان «اتزان» صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أمير المنطقة، رئيس «اتزان» الباحث الدكتور طاهر بن محمد عريشي وفريقه من المختصين الباحثين الإجتماعيين والنفسيين، لعمل دراسة علمية ميدانية حول «العنف الأسري من وجهة نظر طلاب وطالبات المرحلة الثانوية ومعلمي ومعلمات المرحلة الثانوية وأثر جائحة كورونا عليه» وذلك حرصاً من سموه على تحصينهم وتماسك وحدة الأسرة والمجتمع ورعاية تنشئة الأبناء وأدائهم الدراسي والشخصي والاجتماعي والأسري ومستقبلهم.
وأوضح رئيس «اتزان» الباحث الدكتور طاهر بن محمد عريشي، أن توجيه سموه لعمل بحث علمي ميداني جاء إستشعاراً بأهمية وخطورة ظاهرة العنف الأسري ومدى تأثيره على الفرد والأسرة والمجتمع والمتغيرات النفسية والإجتماعية والسلوكية التي خلفتها جائحة كورونا «كوفيد 19»، بهدف المساهمة في تنشئة الأبناء للإرتقاء بهم وتحصينهم واندماجهم مع أسرهم ومجتمعهم، حيث أن الجائحة فرضت على الأسر نمط حياة جديد، وظهرت معها الكثير من مؤشرات العنف الأسري سواء على المستوى اللفظي، والبدني، والنفسي، والإقتصادي، والإجتماعي، إضافةً إلى التدخل في الخصوصيات، نتيجة إلتزامهم البقاء في منازلهم حماية من تناقل الفيروس، ولكون العنف الأسري يعدُ من أبرز العقبات التي تعوق تحقيق الصحة النفسية والتوافق النفسي للمراهقين ويصل تأثيره إلى حرمانهم من التفاعل مع العناصر المحيطة بهم، ولما للأسرة أهمية بشكل مباشر وغير مباشر في حياة الفرد في عملية التنشئة الإجتماعية للأبناء وتشكيل شخصياتهم وضماناً لإستمرار مسيرة نموهم النفسي وتقدمهم الدراسي وتوافقهم في الحياة، وفي تقدم المجتمع وتماسكه. ومن هذا المنطلق، أكد الباحث الدكتور عريشي، ركز المختصين والباحثين الإجتماعيين والنفسيين لدى الجمعية على إجراء الدراسة البحثية العلمية على طلاب وطالبات ومعلمي ومعلمات في «16» مدرسة ثانوية «بنين – بنات» استهدفت فيها «1264» طالب وطالبة، و«338» معلم ومعلمة بمختلف محافظات المنطقة بالتنسيق مع إدارتي تعليم جازان وصبيا، وذلك لقياس مدى العنف الأسري من وجهة نظر طلاب وطالبات المرحلة الثانوية ومعلميهم وأثر جائحة كورونا عليهم. ولفت إلى أهمية البحث في ظاهرة العنف الأسري التي شهدت ازدياداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وأخذت أشكالاً مختلفة على مستوى العالم خلال فترة الجائحة من وجهة نظر الطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات بالمرحلة الثانوية، والتركيز على شريحة عمرية من الطلبة الثانوية العامة الذين يعدون في سن المراهقة، حيث لهذه المرحلة خصائصها وطبيعتها الحساسة والتي تظهر من خلال ردود أفعالهم ممن يعانون من عنف أسري ويسعون لإثبات تحقيق ذواتهم، وحاجتهم لمناخ أسري صحي يساعدهم على الشعور بالأمن النفسي وتقدير الذات ومستوى تحصيلي متميز. وكذلك المعلمين والمعلمات لكونهم الفئة الأكثر احتكاكاً بالطلبه سواءً في حُجرات الدراسة، ومواقف التعلم والأكثر ملاحظة لسلوكيات الطلاب والطالبات والذين يستطيعون معرفة تقييم أثر العنف الأسري على سلوكهم. إلى جانب إعداد أداتين لقياس وتقييم العنف وأثره الأسري لطلاب وطالبات المرحلة الثانوية من قبل المعلمين والمعلمات ويمكن استخدامهما في البحوث المستقبلية. كما يمكن الإستفادة من نتائج البحث في زيادة إهتمام الجهات المعنية في المجتمع ممثلة في الجامعات وإدارات التعليم، والجمعيات الأهلية، ومراكز الإرشاد، ووسائل الإعلام المختلفة من خلال إجراء بحوث، وعقد ندوات، وورش عمل، ودورات تدريبية، وبرامج لخفض العنف الأسري وتقليل آثاره على الطلاب والطالبات سواءً النفسية أو التعليمية أو ما يخص الخوف من المستقبل. إضافةً إلى ذلك لفت انتباه المعلمين والمعلمات والاخصائيين النفسيين والاجتماعيين برعاية الطلبة الذين يعانون من عنف أسري وإتباع الأساليب المناسبة للتعامل معهم مما يقلل من آثار العنف الأسري عليهم نفسياً واجتماعياً وأكاديمياً. وأيضاً إدارات المدارس في تقديم العون والرعاية للطلاب والطالبات خاصة الذين لديهم مشاكل نفسية أو إجتماعية أو شخصية أو إقتصادية أو دراسيه قد تعرضهم العنف الأسري. وكذلك الأزواج والزوجات في توفير المناخ الأسري الصحي والعلاقات الأسرية السوية وزيادة الوعي بطلب المساعدة من المراكز والمؤسسات المتخصصة في الإرشاد والتوجيه إذا اقتضى الأمر لتحقيق التوافق والمناخ الأسري الصحي والسليم في رعاية الأبناء. وحول أهداف الدراسة علق الباحث الدكتور عريشي، لمعرفة أبعاد وفقرات مقياس العنف الأسري انتشاراً ضد الطلبة والطالبات، والكشف عن الفروقات ودلالتها الإحصائية بين إدارتي تعليم جازان وصبيا في متغير العنف الأسري لديهم، والكشف عن الفروقات ودلالاتها الإحصائية الراجعة إلى النوع والتخصص والصف الدراسي في متغير العنف الأسري لديهم، والتعرف على مستوى وتقييم ووجهة نظر معلمي ومعلمات المرحلة الثانوية للعنف الأسري، والكشف عن الفروقات ودلالتها الإحصائية والتي تعود للنوع و التخصص وعدد سنوات الخبرة في تقييم العنف الأسري من وجهة نظر المعلمين والمعلمات.
وبين الباحث الدكتور طاهر عريشي، أن الدراسة البحثية العلمية التي شملت 16 مدرسة ثانوية «بنين – بنات» بمنطقة جازان، رصدت فيها وجود عنف «لفظي» حيث أجمعوا بحد قولهم يوجه إلينا الوالدين صفات بذيئة أثناء الحوار، ويتعمدون تأنيبنا بكلمات مهينة أمام أخوتنا، ونتعرض للسخرية والتوبيخ والشتائم والتحقير والاستهزاء بصوت عالٍ، ويتحدثون معنا بلغة الأوامر، مستخدمين ألفاظاً لا إنسانية، ووجود عنف «بدني» يعاقبونا بدنياً عند الإختلاف مع أخوتنا وشد الشعر، ويُقدِمون على الضرب في أجزاء أجسامنا، ويقذفونا ما بأيديهم بشكل مفاجئ، والوقوف بنا لمدة طويلة في مكان غير مريح. وحول العنف «الأسري» ذكروا بأنهم يشعروننا بعدم اهتمامهم بمظهرنا ومستقبلنا، وعدم السماع لمشاكلنا والسماح لنا بالتعبير عن آرائنا وهوايتنا المفضلة، وإظهار صفاتنا السيئة، وتوجيه إنتقادات في تصرفاتنا، ونفتقد للإحتواء وللأمن والهدوء النفسي داخل الأسرة، ولغة الأوامر هي السائدة، ونشعر بنظرة التعالي بين الأب والأم لكون مستوى تعليم أحدهما أعلى من الأخر. وما يتعلق بالعنف «الإجتماعي» يلزمونا على قطع علاقاتنا مع أصدقائنا والجيران لأسباب غير مقنعة، وإظهار سلوكياتنا الخاطئة أمام زملائنا. وبالنسبة للعنف «الاقتصادي» يعاقبونا بالحرمان من المصروف لأتفه الأسباب، ولا يلبون مطالبنا المادية رغم استطاعتهم، ويدمرون ممتلكاتنا الشخصية دون سبب مقنع. كما أن الدراسة توصلت إلى أن الوالدين يتدخلون في «الخصوصيات» حيث أكدوا أنهم يتدخلون في إختيار أصدقائنا، وفي شراء ملابسنا دون إعتبار لرأينا وعمرنا، وحرماننا من اللهو والترفيه حتى لو انتهينا من واجباتنا الدراسية والمنزلية، وفي الوقت المسموح لنا بالجلوس أمام الشاشات، وفي تحديد الوقت الذي نقضيه مع أخوتنا. كما يفرضون علينا أوقات معينة للمذاكرة.
وبناءاً على ما توصلت إليها الدراسة البحثية والعلمية، وبحسب تقييم ورصد الباحثين والمختصين لدى الجمعية، فقد وضعت في المرتبة الأولى العنف اللفظي، ثم البدني ويليها النفسي، ثم التدخل في الخصوصيات ويتبعها الإجتماعي وفي المرتبة الأخيرة الإقتصادي.حيث إعتبروا النتيجة منطقية وبالإمكان تفسيرها بين طلاب المرحلة الثانوية لكونهم في سن المراهقه.
أكد الباحث الدكتور طاهر عريشي، أن الدراسة البحثية والعلمية قدمت العديد من التوصيات الخاصة للوالدين، وتتمثل في توجيهم للإهتمام بدعم الجانب النفسي لدى الأبناء، وذلك من خلال تجنب جميع ما له علاقة بحدوث العنف النفسي لديهم، والتعامل مع الأبناء بلغه الود والتسامح وتجنب التوبيخ والأوامر، والنقد والتخفيف من التدخل في خصوصيات الأبناء، وإحداث التوازن في المعاملة سواءً بين الأبناء الذكور والإناث، وأيضاً بين الأبناء في مختلف الصفوف الدراسية والتخصصات المختلفة لكي يشعر الأبناء بعدم التفريق في المعاملة فيما بينهم نتيجه النوع او العمر. أما ما يخص المعلمين والمعلمات، على إدارات التعليم والمدارس تبني أساليب تربويه حديثة مبتكرة في علاج مشاكل الطلاب والطالبات المعنفين، ودعمهم نفسياً ودراسياً واجتماعياً، وابتكار إستراتيجيات حديثه في الكشف عن الطلاب والطالبات المعنفين أسرياً، وتفعيل التعاون والتواصل بين إدارة المدرسة وأولياء الأمور في علاج مشاكل الطلبة المعنفين، وإعداد وتصميم برنامج تحت إشراف إدارات التعليم للتغلب على تدني مستوى التحصيل لدى الطلبة المعنفين، وتخصيص معلمين ومعلمات أكثر خبرة في مزاولة مهنة التدريس بالتعامل مع الطلبة المعنفين للقيام في دراسة مشاكلهم وإحتياجاتهم الدراسية النفسية والإجتماعية.