المطوف هو الشخص الذي يقوم بخدمة حجاج بيت الله الحرام من خارج المملكة، وذلك في طوافهم وسعيهم وأداء مناسكهم، منذ قدومهم إلى مكة المكرمة وحتى مغادرتهم منها، ومهنة المطوف هي قديمة عُرفت منذ القدم وتحديدًا في عام 884 هـ.
تاريخ الطوافة
وكانت في ذلك الوقت مهنة فردية يقوم عليها أشخاص بشكل فردي، ولكن منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله) مرت على مراحل التطوير والتنظيم، حتى تم إنشاء جهة مؤسساتية، وبدأت هذه الجهة بتحديد أعمال المطوفين، ثم بعد ذلك تحولت إلى وكالات ثم إلى وكالات، ثم إلى مؤسسات وفي الأخير استقرت على شكلها الحالي على هيئة شركات.
وفي مكة المكرمة توارثت الأجيال مهنة الطوافة أبًا عند جد، ولم يكن يُسمح لأي شخص القيام بهذه المهمة أو المهنة إذ لم تكن الصنعة متوارثة، حتى عرفت الطوافة لدى أسرة معينة.
ومع الوقت تجاوز هذا الشرط في حال إذا خدم الشخص لمدة 15 عامًا عند مطوف واحد، حتى يسمح له المطوف بأن يكون مطوفًا، بعد أن يجتمع المطوفين عند شيخهم للموافقة بمنح لقب “مطوف” وحتى يحصل على الموافقة النهائية يرفع إلى الأمير لتأييده.
وتتغلب المطوفات على الصعاب خلال موسم الحج الذي يمتد إلى 50 يوما من كل عام، وهي الفترة المحددة لتقديم الخدمات اللازمة لحجاج بيت الله الحرام القادمين إلى المشاعر المقدسة من كل فج عميق، ابتداء من العاشر من شهر ذي القعدة وحتى نهاية شهر ذي الحجة من كل عام هجري.
نشأة مطوف الملوك والرؤساء
وفي تقريرنا أردنا أن نُسلط الضوء على مطوف الملوك والرؤساء “دخيل الله أحمد الحارثي” ، والذي نشأ وسط عائلة محافظة في قلب مكة المكرمة عام 1380 هجريًا، حيث كان من سكان حي أجياد القريب من المسجد الحرام، وكان دائمًا مرافقًا لجده (رحمه الله) الذي علمه القيم والأخلاق والرماية والصيد.
وكان جد الحارثي يصطحبه معه إلى المناسبات منذ أن كان في العاشرة من عمري، ليغرس في نفسه قيم المسؤولية وحُسن التعامل.
وكان لدى الحارثي شغف مبكرًا لخدمة ضيوف بيت الله الحرام، فبدأت مسيرته في خدمة الطوافة منذ نعومة أظافره في سن الرابعة عشر من عمره أثناء دراسته في مدرسة أبي عبيدة الجراح بمكة المكرمة.
مسيرة الطوافة لأكثر من 40 عامًا
والتحق الحارثي إلى المعهد في المسجد الحرام، وكان يدرس في حلقات الحرم على يد نخبة من كبار علماء الحرم المكي، وكان من أبرزهم الشيخ “عبدالله بن حميد” (رحمه الله) والذي كان له أثر كبير في مسيرته العلمية والروحية.
بعد أن انتهى الحارثي من الدراسة في المعهد في سن التاسعة عشرة من عمره، بدأ في تطويف ضيوف الدولة، وكانت هذه المرحلة هي نقطة تحول في حياته المهنية، حيث مكنته من تقديم الخدمة لضيوف الرحمن من كبار الشخصيات والوفود الرسمية من مختلف الدول العربية والإسلامية والعالمية.
وتعلم من هذه التجربة الفريدة الكثير عن التنظيم والمسؤولية في خدمة ضيوف خادم الحرمين الشريفين من الملوك والرؤساء الذين يزورون المملكة العربية السعودية ويؤدون مناسك العمرة.
وبعد أن امتلك الحارثي أكثر من 40 عامًا من الخبرة في مجال الطوافة وخدمة ضيوف الرحمن، تشرف بخدمة الملوك والرؤساء وكبار الشخصيات في بيت الله الحرام، ولم يكن له في ذلك إلا هدفًا واحدًا وهو أن يؤدي الضيوف مناسكهم بكلّ يسر وسهولة .
مواقف لا تُمحى من الذاكرة مع الرؤساء
هناك مواقف لا تُمحى من ذاكرة دخيل الله الحارثي حدثت بينه وبين بعض رؤساء الدول المختلفة التي كان يسعى جاهدًا في الطواف بهم، ومن هؤلاء الرؤساء الرئيس الليبي معمر القذافي، وكان موقفًا حدث معه عام 1990 ميلاديًا أي قبل 34 عامًا، وكان القذافي قد جاء إلى مكة المكرمة معتمرًا، واصطحبه الحارثي ودخلا معًا وطافوا حول الكعبة المشرفة، وبعد أن انتهوا من الطواف دخل معمر القذافي إلى الكعبة للصلاة فيها بُناءً على أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله -، وعند خروج القذافي من الكعبة لاحظ أن هناك جمعًا من المعتمرين وضيوف الرحمن حول الكعبة فظن الأخير أنهم ينتظرون منه كلمة.
وأوضح الحارثي أنه في العادة عندما تُفتح الكعبة يقف المعتمرين وضيوف الرحمن أمام بابها ويدعون الله سبحانه وتعالى، ولكن وقف القذافي وبدأ يتحدث من سلم الكعبة ويخاطب الحضور بكلامه في موقف كان في غاية الحساسية، فقمت وصعدتُ إلى سلم الكعبة بعد أن استأذنت من وكيل الإمارة في ذلك الوقت، الأستاذ حمد الشاوي، واقتربتُ منه حتى صرت قريبًا من أذنه وهو يخطب، فهمست في أذنه “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، نظر إليّه القذافي وكرر معي “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، ونزل من على سلم الكعبة، وتوجهنا معًا إلى المسعى.
ومن الذاكرة التي لم تُمحى أبدًا كان هناك موقفًا آخر مع رئيس أفريقي في عام 2001 ميلادي، حيث طاف معه حول الكعبة، ثم خرجوا للسعي بين الصفا والمروة، وبينما كنا في الشوط الثالث من السعي، توقف الرئيس فجأة وأصر على ألا يكمل السعي، فخرجوا إلى خارج المسعى، وكان معه مرافق يتحدث العربية ويقول أنه قد درس في الأزهر، وطلب الحارثي من المرافق أن يترجم بينه وبين الرئيس حتى أقنعه بالعودة لاستكمال السعي، وبدأ المرافق يترجم فيما بينهما، فشرحت له عمرة النبي صلى الله عليه وسلم وحجة النبي صلى الله عليه وسلم، وأوضحت له أن السعي ركن من أركان العمرة، ولا تصح العمرة إلا به، وما إن أكمل الحارثي الحديث معهم، حتى قال للمترجم: “أخبر الشيخ أن نعود ونكمل السعي” وبعد ذلك عادا وأكملوا السعي ووجه للحارثي الرئيس الإفريقي الشكر والتقدير على ذلك.
مرافقة عدد كبير من الملوك والأمراء والرؤساء
كما رافق الحارثي عدد كبير من الملوك والرؤساء والأمراء ومسؤولي الدول العربية والإسلامية أكثر من 40 عامًا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله) برفقة الملوك والرؤساء، وفخامة رئيس أوزبكستان شوكت ميرأمانوفيتش ميرضيايف، وأمير دولة قطر الشقيقة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وفخامة الرئيس السنغالي بشير جمعة فاي، وفخامة الرئيس التونسي قيس سعيّد، وفخامة الرئيس النيجيري بولا تينوبو، والملك عبدالله الثاني ملك الأردن، وسلطان بروناي السلطان حسن البلقية، ودولة رئيس وزراء باكستان شهباز شريف، والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
هواية خارج الصندوق
وعن هواية أخرى يهواها دخيل الله أحمد الحارثي هي هواية الكتابة، ومهما أشغلته الحياة والسعي للتقرب لله عز وجل وخدمة ضيوف الرحمن والمعتمرين فيعود دومًا إلى قلمه وأوراقه ليؤلف العديد من الكتب والتي خرجت للنور بين يدي العامة من المثقفين والمهتمين بأطروحاته الثقافية والتي كان منها كتاب “إضاءات” والذي تمت طباعته عام 2019، وكتاب خواطر ومتفرقات.