• 03:17:36am

أحدث الموضوعات

العدالة الدولية وحقوق الإنسان: بين الواقع السياسي والمحاسبة الجنائية في سوريا

تعليقات : 0

أصداء الخليج
بقلم المستشار د./ حسن بن ثابت

منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، دخل النظام السوري في دوامة من التحديات التي تخطت المطالب الشعبية بالإصلاح. فقد بدأت الأزمة بحركة احتجاجية سلمية، ولكن مع فشل النظام في التعامل معها ورده القاسي باستخدام العنف المفرط، تطورت الأمور إلى صراع مسلح. وتفاقمت الأزمة نتيجة لتدخلات إقليمية ودولية، إلى جانب انشقاقات داخلية ومقاومة متصاعدة من فصائل المعارضة. كل هذه العوامل ساهمت في إضعاف النظام، وجعلت سقوطه أمرًا محتملًا في ظل الضغوط المتزايدة على مختلف الجبهات.

أسباب سقوط نظام الأسد في سوريا

إن تآكل شرعية النظام السوري لم يكن ناتجًا عن عامل واحد، بل مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية التي تداخلت بشكل معقد، وأدت إلى تسريع سقوطه المحتمل:

1. الفشل في التعامل مع المطالب الشعبية
عندما بدأت المظاهرات السلمية في 2011، كان من الممكن للنظام أن يتعامل معها بتدابير إصلاحية، إلا أنه اختار العنف المفرط. هذا القرار قوبل برد فعل شعبي متزايد، أدى إلى تحوّل الاحتجاجات إلى نزاع مسلح، ما حول الصراع إلى حرب شاملة

2. التصدعات الداخلية وانقسامات الجيش
على الرغم من بقاء النظام في السلطة، إلا أن العديد من قادة الجيش السوري انشقوا، مما أحدث تأثيرًا كبيرًا في قدرته على مواجهة فصائل المعارضة. كما بدأ الدعم الشعبي للنظام في التراجع، مما ساهم في تقويض استقراره الداخلي.

3. تصاعد المقاومة من فصائل المعارضة
مع مرور الوقت، تحولت فصائل المعارضة من مجموعات متناثرة إلى قوة منظمة، قادرة على مواجهة النظام عسكريًا. الدعم العسكري الذي تلقته هذه الفصائل من قوى إقليمية ودولية ساعد في توسيع دائرة الصراع، ما زاد من عجز النظام عن السيطرة على الوضع

4. التدخلات العسكرية الأجنبية
التدخلات الخارجية كانت أحد العوامل المحورية التي جعلت الأزمة السورية أكثر تعقيدًا. روسيا وإيران دعمتا النظام، بينما كانت الولايات المتحدة وتركيا تقدمان الدعم للمجتمع المعارض. هذا التدخل الدولي حوّل النزاع إلى حرب بالوكالة، وأدى إلى تفاقم الأوضاع في سوريا.

5. العزلة الدولية وتدهور الوضع الاقتصادي
العزلة الدبلوماسية التي فرضتها الدول الغربية والعربية على النظام، إلى جانب العقوبات الاقتصادية الشديدة، ساهمت في تدهور الاقتصاد السوري. أثرت هذه الأوضاع على الحياة اليومية للمواطنين وأدت إلى زيادة السخط الشعبي

6. الضغوطات الإنسانية والجرائم ضد الإنسانية
ارتكاب جرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع من قبل النظام، بما في ذلك الهجمات بالأسلحة الكيميائية، أدى إلى تدهور صورته داخليًا وخارجيًا. هذه الانتهاكات دفعت المجتمع هههالدولي إلى المطالبة بالمحاسبة، مما شكل ضغطًا إضافيًا على النظام.

الجرائم المرتكبة في سوريا

خلال النزاع، ارتكب النظام العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. من أبرز هذه الانتهاكات استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وقصف المدن والقرى بشكل عشوائي، ما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا. وتُعد هذه الجرائم بمثابة دافع رئيسي للمطالبة بالمحاسبة الجنائية الدولية، رغم أن الدعم الدولي للنظام من قبل روسيا يشكل عائقًا أمام تحقيق العدالة.

المحاسبة الجنائية الدولية

المحكمة الجنائية الدولية تُعد الجهة المسؤولة عن محاكمة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في سوريا، إلا أن هناك تحديات سياسية كبيرة تعرقل عملها. استخدام روسيا والصين لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن أدى إلى عرقلة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، مما يجعل المحاسبة أبطأ وأكثر تعقيدًا.

المعادلة السياسية والتحديات الدولية

تتمتع سوريا بحماية سياسية من حلفائها، ما يخلق عقبات أمام المحاسبة الدولية. على الرغم من أن الجرائم قد تم توثيقها بشكل دقيق، إلا أن السياسة الدولية غالبًا ما تقف عائقًا أمام الملاحقة الجنائية للمسؤولين السوريين. وهذا الوضع يساهم في استمرار الإفلات من العقاب ويزيد من تعقيد جهود تحقيق العدالة.

العدالة والتحول السياسي

وعلى الرغم من هذه التحديات، تظل العدالة ضرورية في سبيل إنهاء الصراع بشكل عادل ومستدام. ينبغي أن تكون المحاسبة الجنائية جزءًا أساسيًا من أي عملية انتقال سياسي في سوريا، لضمان عدم إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب. العدالة هي الطريق الوحيد لبناء السلام في سوريا ولمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل.

الخاتمة

في نهاية المطاف، تظل القضية السورية اختبارًا حاسمًا للعدالة الدولية. فهل ستتمكن القوى العالمية من تجاوز المصالح السياسية الضيقة لتحقيق العدالة للمظلومين؟ إن غياب المحاسبة سيكون بمثابة تبرير للجريمة في المستقبل، بينما العدالة هي السبيل الوحيد لضمان مستقبل أفضل لسوريا وللعالم أجمع. إذا لم تُحقق العدالة، ستظل سوريا أسيرة للدمار والانقسام، ما يؤكد وضرورة أن تكون العدالة هي الأساس لأي حل سياسي مستقبلي.

روابط ذات صلة

أضف تعليقك

برجاء الكتابة باللغة العربية فقط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    التغريدات