بين ما يعنيه الكاتب حين سطّر نصه على صفحات الورق مع آلام الكتابة وربما تعسر ولادتها وما يلازم ذلك من معاناة وشجن، من جهة، وما فهمه القارئ بما يمتلك من مخزون معرفي يزيد أو ينقص ويختلف من شخص لآخر، من جهة أخرى؛ بين هذين الطرفين يقف رولان بارت (1915-1980م) لكي يعلن مقولة موت الكاتب، فاتحًا الباب على مصراعيه لصنوف شتى من التأويلات، ومعطيًا المجال لمن يريد أن يدلي بدلوه في تأويل المعاني التي يقصدها الكتّاب.
ولذلك فإن الكثيرين حين يتحدثون عن نص ما أو حين ينقدونه فإنهم إنما يتحدثون عن نصوص متعددة (رغم كونها نصًّا واحدًا من حيث رسم حروفها) يمكن أن يكون عديدها بعدد القراء أنفسهم. وهذه النقطة الأخيرة هي ما تفسر مقولة أنه لا يمكن قراءة نفس النص مرتين، تمامًا كما قيل إنه لا يمكن للشخص أن يسبح في نفس النهر مرتين (باعتبار تغير الماء في كل مرة). فإذا كانت هذه المقولة تعني الشخص الواحد فكيف بآحاد القراء وتعاطيهم مع النصوص؟ كما أن القارئ (كل قارئ) هو بالضرورة منتج جديد للمعاني إذ يقفز إلى مناطق جديدة، ربما لم يقصدها الكاتب ولم تخطر بباله.
وحين كتب رولان بارت عن موت المؤلف (عام 1967م) فإنه كان يعني أن القراءة هي عملية معقدة تتداخل فيها عوامل نفسية وأخرى اجتماعية مع الظرف الراهن الذي يعيشه القارئ، وحتى ما يريد فهمه أو تجييره لحساب المنظومة الفكرية التي يميل إليها. وكان بارت يرى أن ربط النص بمؤلفه وفرض تفسير واحد له لا يتغير ولا يتبدل هو نوع من الاستبداد الفكري؛ ولذلك فقد كتب بأن علاقة المؤلف بنصه تنتهي حين يكتبه ويبدأ دور القارئ في تفسير وتأويل ما كُتب. وهو سر ما قاله آخر بأنه “حتى الذين يقرؤون نفس الرواية، لا يقرؤون نفس الرواية”، على اعتبار أن القارئ هو من يصنع الرواية حسب خلفيته ومعارفه ومشاعره حين يقرأ.
*قال الشاعر:
قَلَّبتُ كلَّ ثمينٍ كنتُ أخزُنُه – فما وجدتُ به أغلى من الكُتبِ
منصة X:
@yousefalhasan